الأحد، 16 مارس 2014





نظره عن كثب | برنامج تيليجرام Telegram الروسي – الأمان والتشفير وحماية الخصوصية !!






إنتشرت في الآونة الأخيرة العديد من الرسائل منها ما يمدح برنامج تيليجرام Telegram ومنها ما يذمه ويتهمه، لذلك قررت أن ألقي عليه نظرة عن كثب حول تشفيره ومميزاته وسياسة الخصوصية فيه وحمايته لبيانات المشتركين، وقمنا بفحص تشفير البرنامج وقراءة الدليل التقني للتطبيق وسياسة الخصوصية وكما تم التواصل بشكل مباشر مع مطوري البرنامج الذين قاموا بالإجابة على كل تساؤلاتنا بصدر رحب، وتلاقينا في العديد من وجهات النظر المهمة.

بالبداية يجب أن نعلم أن مجرد ان يكون التطبيق مشفر ( رغم اهمية الموضوع ) لم تعد كافية اليوم بل يجب ان نعرف من يقف وراء البرنامج وقد ذكرت أسباب ذالك في لقائي بقناة الراي فيمكنكم مراجعته، وماهي التفاصيل التقنية الدقيقة للخدمة وفي اي بلد تقع وتحت أي قانون تتعامل، وماهي فلسفة مطوري البرنامج، خاصة عندما يكون تطبيق سيستعمله الملايين بشكل يومي وتمر من خلاله العديد من المحادثات الخاصة التي قد تكون عائلية او اجتماعية او تجارية او خاصة وسرية.


من يقف وراء تيليجرام Telegram ؟

الأخوين الروسيين Nikolai Durov و Pavel Durov وهما المؤسسين لأكبر شبكة إجتماعية في روسيا VKontakte وبالروسية ВКонтакте وهي التي تسمى “فيسبوك روسيا” وهي الشبكة الإجتماعية الأشهر هناك، في حين أن الأول نيكولا ديروف Nikolai Durov وعمره 31 سنة وحاصل على الدكتوراه في الرياضيات من جامعة سان بطرسبورغ الروسية ودكتوراه أخرى في الرياضيات من جامعة Bonn الألمانية، كما قام بإنشاء نظريات جديدة في علم الرياضيات والتشفير وله نشاطات عديدة في هذا المجال.
والثاني هو بافيل ديروف Pavel Durov وعمره 29 عام هو المدير التنفيذي والرأس المحرك لشبكة VKontakte الروسية ويتبى فكر اللاسلطوية الرأسمالية وهي فلسفة سياسية تدعو الى إزالة الحكومات والدول وإحلال سوق حر تماما بدلها، وكما قام بالتبرع بمليون دولار لويكيبيديا ويعتبر إدوراد سنودن ” كاشف مشاريع التجسس الإلكتروني بوكالة الأمن القومي NSA ” بطلاً لما فعله للعالم، كما أعلن عبر حسابة في تويتر و VK دعوته سنودن للعمل معه في شبكة VK لحماية خصوصية وأمن المستخدمين.
ومن المعروف أن بافيل ديروف كان دائم العناد لإدراة الرئيس الروسي بوتين حيث كان يرفض إغلاق صفحات “المتظاهرين” الروس أيام إنتخابات روسيا والتي كانت تعادي بوتين، بل قام ديروف بوضع صورة “كلب” مع ورقة طلب المخابرات الروسية اغلاق الحسابات للإستهزاء بهم، مما أثارحفيظة الكريملن الروسي الذي لم يستطع إقناع ديروف بالتعاون معهم او مع الأمن الروسي، مما جعل من ديروف شخص مستهدف، وهذا ما جعل رجل الأعمال الروسي عسمانوف والمقرب من الرئيس بوتين بشراء حصة كبيرة من شركة VKontakte حتى يسيطر عليها مستقبلاً.
كما أغضب بافيل ديروف شركات الميديا الأمريكية حيث يسمح موقع Vkontakte بنشر الأفلام والمواد المقرصنة بشكل عادي بل يسمح لها بالعمل من الموقع نفسه Streaming وبدون اي إعتبار للحقوق الفكرية الأمريكية ولا يقوم بحذف اي منها.


بداية تيليجرام Telegram ؟

قام بافيل ديروف Pavel Durov بتخصيص فريق كامل مكون من ستة متخصصين، ثلاثة منهم يحملون درجة الدكتوراه الروسية بالرياضيات والتشفير ليقوم الفريق بتصميم بروتوكول جديد بإسم MTProto وهو بروتوكول خاص يجمع بين التشفير العالي الذي يستعمل خوارزميات تشفير من نوع AES بطول 256bit وتشفير RSA 2048 ومفتاح تبادل من نوع Diffile-Hellman وبين السرعة بنقل البيانات المشفرة والإستقرار في الأداء، وقد أخذ تصميم هذا البروتوكول مدة سنتين حتى تم الإستقرار عليه، وكما أنه مفتوح المصدر يمكن الإطلاع عليه وقراءة تفاصيله منهنا.
وقد دخل هذا التصميم في تحدي مع بعض علماء التشفير الأمريكان الذين شككو فيه وكتبو بعض المقالات التي إدعت ضعفه، غير أن فريق تيليجرام قام بالرد عليهم كثيرا ومناقشتهم بالتفصيل الممل وقد تراجع العديد من المشككين عن أقوالهم وتبين فهمهم الخاطئ للبروتوكول وعدلو من مقالاتهم.
مما دعى فريق الرياضيات في Telegram بعمل تحدي علني وعام لمن يستطيع كسر التشفير ليقبض مبلغ 200 الف دولار، مما “لجلج” الهاكرز حول العالم، والعجيب ان خبراء التشفير الأمريكان وقفوا صامتين امام هذا التحدي ولم يكتشفوا شيء، ولكن هناك ثلاثة خبراء تشفير روس قاموا بإكتشاف بعض نقاط الضعف في تطبيق التشفير وحصلوا على 100 الف دولار مقابلها، وقام فريق Telegram بإصلاحها خلال ساعات فقط من إكتشافها.




تشفير تيليجرام Telegram ؟

يتمتع تيليجرام Telegram بتشفير عالي ومميز وخفة وسرعة بالإداء مع ذلك، لذلك لن يتمكن أحد من الهاكرز او أجهزة المباحث والشرطة أو شركات الإتصالات من مراقبة ما تفعل به او محتوياته، بعكس البرامج الغير مشفرة مثل برنامج Line الذي قام بإلغاء التشفير عن نظامه ليصبح مكشوفاً للجميع، أو برنامج الواتساب WhatsApp ذو التشفير الضعيف والذي يتمتع بأقل قدر من الأمان أمام تطبيقات مثل تيليجرام.
ومن المعروف أن التشفير اليوم أصبح مهما للغاية لحماية خصوصيات الناس خاصة أن تطبيقات الدردشات تحتوي على العديد من المعلومات الخاصة التي يتناقلها الناس، وذلك عند استخدامك لبرامج غير مشفرة مثل Line فإن شركات الإتصالات وأجهزة الأمن ومباحث الإنترنت والهاكرز قادرون على مراقبتك ومعرفة محادثاتك وصورك التي تتناقلها بالبرنامج كما يمكنهم معرفة رقم هاتفك ومع من تتحدث وماهي الروابط Links التي تم تبادلها بينكم، مما يعرض خصوصيتك للخطر.
مع برنامج تيليجرام Telegram أنت محمي من هذا النوع من الهجمات والتجسس الإلكتروني ولكن بياناتك لاتزال بيد شركة Telegram الروسية في خوادمها ومراكز بياناتها، وتكون مشفرة ولكنهم قادرين على فك تشفيرها، ومن المميزات هنا ان الشركة ليست أمريكية بل هي شركة روسية وترخيصها في جزر British Virgin Islands في البحر الكاريبي مما يجعلها قوية قانونا عن الملاحقات، كما أخبرني بذلك أحد مسؤولي الخدمة عند دردشتي معه.

ميزة التشفير الإضافي والمحادثات السرية Secret Chat ؟

نحن دائما ندعوا الناس على ألا يثقوا بأحد حتى بالشركات نفسها، بل يثقوا فقط عندما يكون التطبيق آمن من ناحية تصميم التشفير بشكل صحيح وقوي Secure By Design وهذا ما يحققه برنامج تيليجرام Telegram في ميزة Secret Chat حيث يقوم البرنامج هنا بربط جهازين مع بعضهم بمفتاح تشفير ( عام وخاص ) ليصبح تبادل المحادثات بينهم فقط End to End Encryption ومباشر وبدون تخزين اي شيء بخادم الشركة، وحتى لو تم تخزينه فهو مشفر ولا يمكن فكه لأنه يحتاج الى المفتاح الخاص والذي لا يتواجد إلا بجهازك فقط.
في برنامج تيليجرام يمكنك البدأ بمحادثة سرية Secret Chat مع صديقك من خلال الضغط على اسمه ثم أختيار Create Secret Chat مع الأخذ بعين الإعتبار أنه يجب على الطرف الآخر قبول الدخول في محادثة سرية حيث سيتم ارسال دعوة لمحادثة آمنة وسرية، وحينها سيتم تبادل مفاتيح التشفير وتبادل الحديث والصور والموقع بشكل مشفر تشفيرا قويا بالإضافة لتشفير الإتصال الذي يتمتع به البرنامج أصلا.
صوره عن كيفية تفعيل المحادثة السر ية في البرنامج:




ميزة التدمير الذاتي للرسائل Self Destruct بعد إرسالها في الـ Secret Chat ؟

من المميزات الجيدة التي يقدمها البرنامج هي ميزة التدمير الذاتي للمحادثات خلال وقت محدد  يتم تحديده مسبقاً   Self Destruct Timer حيث يتم حذف ما كتبته من جهازك ومن الطرف الآخر بعد مرور الوقت المحدد والذي يبدأ بـ 2 ثانية وحتى إسبوع كامل، وهذه ميزة جيدة تعطي الخصوصية حماية إضافية، ويمكن تفعيل ميزة التدمير الذاتي للرسائل عبر إعدادات المحادثة ثم قسم Self Destruct Timer ثم إختيار الوقت المحدد لحذف المحادثة بعد ارسالها.
صورة :



 مميزات المحادثات السرية الأخرى Secret Chat Feature ؟

1- التشفير العالي للمحادثات بين الطرفين، ويجب على الطرفين قبول الدخول في المحادثة السرية المشفرة.
2- لا يتم ترك اي أثر في خوادم الشركة حتى لو خزنته الشركة فسيكون مشفر وليس ذو قيمة.
3- التشفير يشمل تشفير المحادثات والصور واللوكيشن والملفات.
4- لايمكن عمل التشفير هذا للمجموعات ولكنه فقط بين شخصين.
5- ميزة التدمير الذاتي للرسائل.
6- عدم حفظ المحادثات بالجهاز والخوادم، حيث لا يمكن استرجاع المحادثات بالأجهزة الأخرى، بعكس الشات                 العادي بدون استخدام ميزة Secret chat حيث يمكن استرجاع محادثاتك مع الطرف الآخر عند تغير جهازك ولا يتم حذف المحادثات إلا عند حذفها من الطرفين ( يجب الإنتباه هنا ).
7- لا يمكن عمل Forward للرسائل ونقلها لأشخاص آخرين.


حماية الخصوصية في تيليجرام Telegram ؟

يتعهد مسؤولي تيليجرام بحماية خصوصية المستخدمين بشكل قوي كما أخبرنا شخصياً، ويتضح ذلك من خلال أن مؤسسي شبكة VK الروسية أصلا وهم مؤسسي تيليجرام يحمون الخصوصية بشكل جيد فيها، بل قاموا برفض طلبات عديدة للأجهزة الأمنية الروسية وقاموا بدعوة إدوارد سنودن للعمل لديهم لحماية خصوصية المستخدمين.
يعطي تليجرام الخصوصية والتشفير أولية من سياساته وهو سبب رئيسي وهدف من أهداف البرنامج، وهو ما يميزه عن تطبيقات مثل الواتساب WhatsApp ذات التاريخ الأسود في هذا المجال، رغم تشفيرهم البرنامج مؤخراً.
كما سالناهم حول تعاونهم مع الدول وهل يقومو بتسليم معلومات الأشخاص، وكان ردهم حازماً في حماية خصوصية المشتركين، وأن اي دولة تطلب منا هذا الطلب وخوادمنا عندها مثل ( سنغافورة وروسيا وأمريكا والمانيا ) فإننا سنقوم بإزالة الخوادم منهم فوراً.

مميزات تيليجرام Telegram ولماذا علي إستخدامه ؟

في حين يركز سايبركوف على المعلومات الأمنية والتشفير بشكل خاص، فإننا لا نهتم بشكل كبير بالمميزات الأخرى، ولكنا لا نجد مانع من ذكرها وهذه بعضها:-
1- حماية تطبيق تيليجرام Telegram للخصوصية وأصحابه معروفون بذلك.
2- البرنامج يستعمل التشفير بشكل أساسي في المحادثات العادية وتشفير عالي جدا في المحادثات السرية Secret Chat.
3- البرنامج يستعمل خاصية التدمير الذاتي للمحادثات Self Destruct للمحادثات السرية Secret Chat.
4- البرنامج يسمح بإنشاء المجموعات ويصل عدد أعضاء المجموعة الى 200 شخص، و يبين لك البرنامج المتواجدين حاليا في المجموعة و من يقوم بالكتابة حاليا حتى لو كان أكثر من شخص بنفس الوقت.
5- يسمح بتبادل الملفات بكافة إمتداداتها مثل DOC, PDF, RAR, APK  وغيرها.
6- البرنامج يسمح بتبادل الأحجام الكبيرة للملفات وتصل الى 1 جيجا للملف الواحد.
7- يتمتع البرنامج بالسرعة وبمراكز معلومات منتشرة حول العالم.
8- يتمتع البرنامج بحماية قانونية للخصوصية بشكل جيد.
9- التطبيق مجاني ولا نية لأن يكون بمقابل مالي.
10- علامة “الصح” الثانية في المحادثات تعني أن الطرف الثاني قرأ رسالتك فعلا، و ليس كما هو الوضع في “الواتس أب” حيث كانت تعني علامة “الصح” الثانية وصول رسالتك لجهازه دون إمكانية التحقق من قراءة الرسالة فعلا.
11- يمكنك تخصيص نغمة لكل شخص.
12- فريق البرنامج جداً نشط في اصلاح الأخطاء والثغرات وتأمين المشتركين والرد على الإستفسارات.



بعض المآخذ على البرنامج-:

1- يتم التسجيل فقط عبر رقم الهاتف، وهي ليست عيب ولكن لو كان هناك خيار للتسجيل بالنك نيم مثلا لمزيد من “المجهولية” يكون أفضل.
2- عند إستخدام المحادثات السرية Secret Chat فإن الإشعارات لن تظهر من المرسل وماهي رسالته، وهذا بسبب التشفير حيث لا يستطيع نظام آبل أو أندرويد قراءته، لكن عند عدم إستخدام ميزة الـ Secret Chat فإنها تظهر بشكل طبيعي، ولا يؤثر ذلك على التشفير القياسي الذي يوفره البرنامج.
3- عند تغيير جهازك بدون حذفك للمحادثات من الجهاز الرئيسي سيتم إستيراد محادثاتك السابقة للجهاز الجديد، البعض يعتقد أن هذه ميزة، ولكنها أيضا قد يتم استخدامها ضدك، يمكن تفادي هذه الخاصية بحذف محادثاتك عند الإنتقال لجهاز جديد، ويفضل الطلب من الطرف الآخر حذفها أيضا، وبكل الأحوال عند إستخدام خاصية Secret Chat فإنها لن تتعرض لما ذكرناه، ولن يتم تخزينها أصلا.
4- عند عمل تحويل لمحادثة معينة Forward لشخص آخر فإن من قام بكتابة الرسالة الأصلية سيظهر إسمة للطرف الثاني، سواء كان يعرفه أو لا، لذلك ينصح هنا بإستخدام خاصية ” النسخ واللصق ” بدلاً من التحويل، حيث يعتبر مطوري تيليجرام أن التحويل ( Forward ) مثل تحويل الإيميل لشخص آخر بحيث تظهر معلوماته للطرف الآخر.

هل علي ترك الواتساب WhatsApp  والإنتقال للتيليجرام Telegram ؟

الإجاية هي نعم بكل تأكيد، وذلك لما يوفره البرنامج من حماية للخصوصية والتشفير والمميزات الأمنية مثل التدمير الذاتي للرسائل وخاصية المحادثات السرية.
كما أن البرنامج ليس أمريكي بل روسي وهذه ميزة في صالحه، خاصة بعد ظهور وثائق سنودن التي كشفت انتهاكات الإستخبارات الأمريكية للشركات الكبرى والتجسس عليها والضغط عليها.

من عليه إستخدام تيليجرام Telegram بشكل خاص ؟

لما يتمتع به تيليجرام من تشفير وحماية للخصوصية، فإننا ننصح أن يتم استخدامه بالدول التي تفرض رقابة مشددة على الإنترنت والتطبيقات، كما ينصح أن يستخدمه الثوار في سوريا مثلا، والنشطاء السياسيين في الدول القمعية مثل إيران، والنشطاء الحقوقيون في فلسطين ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية التي تتعرض لإضطرابات سياسية، كما يمكن لضباط الأمن إستخدامه لحماية معلوماتهم عند انتقالها بينهم.وينصح دائما في هذه الحالات إستخدام ميزة التشفير الإضافي او المحادثات السرية Secret Chat بشكل دائم.


هل يمكن لأجهزة الأمن والمباحث التجسس على صوري ومحادثاتي عند إستخدام تيليجرام Telegram ؟


كلا لا يمكنهم ذلك، ولايمكنهم مراقبتك من خلاله بسبب التشفير الذي يستخدمه البرنامج، عند إستخدام ميزة المحادثات السرية Secret Chat فإنه لايمكنهم ذلك أيضا وبشكل كلي من أن يحصلو على اي شي، وننصح دائماً بإستخدام خاصية الـSecret Chat حيث لا يتبقى لك آثر حتى عند الشركة الأم. ويفضل مراجعة مقالنا ( كيف تقوم بتفعيل خاصية المحادثات السرية Secret Chat ببرنامج Telegram لمحادثات أكثر أمناً)

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

نموذج كوريا أم العراق

سيناريوهات عديدة متداولة بعد المبادرة الروسية السورية المشتركة القائمة على ما بدا أنه ترتيب مسبق مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري وموضوعها مستقبل السلاح الكيميائي السوري و اخراجه من معادلات القوة والردع والإستخدام مقابل الخروج من حالة الحرب الأميركية
- الأبرز ما يقوله فريقان فريق من المؤيدين لسوريا المذعورين دائما بان الأميركي بكامل القدرة والقوة ولا بد انه يخبئ شيئا لا نعرفه او نعرفه ويجب ان نخشاه وفريق من اعداء سوريا يخشى التسليم بالهزيمة ويبحث دائما مع كل نصر لسوريا لتعزية النفس عن سيناريوهات تقوم على ان القادم هو الأهم وهو اعظم
- أقوى تشبيه إستخدمه في هذا المجال يكشف الحقيقة هو ما قاله أحد المعارضين ليبين ان هزيمة سورية في الطريق بالقول ان التخلي عن السلاح الكيميائي يعادل قرار الإنسحاب من لبنان بالسنبة لسوريا  وتقديمه كقرار تحت التهديد ويستخلص طبعا ان في الإثنين هزيمة بينما كان قرار الإنسحب من لبنان دفع الضرر الأعلى بالضرر الأدنى عبر الفصل بين حرب بقاء المقاومة وبقاء الجيش السوري وكان الإختبار في حرب تموز وكانت الحصيلة معروفة للجميع وهي إنتصار سوريا وحليفتها المقاومة و إعادة إنتاج قوة ردع أقوى من وجود الجيش السوري بوجه إسرائيل ، و لولا الإنسحاب السوري لما تغيرت معادلات لبنان وفي مقدمها إصطفاف العماد ميشال عون والكتلة المسيحية الأكبر إلى جانب المقاومة
- ثاني التشبيهات الرائجة هي تلك التي تقول أن ما يجري مع سوريا هو إستعادة لسيناريو العراق وليبيا ونزع أسلحة الدمار الشامل ولجان التفتيش ثم الغزو والإقتلاع للنظام وتدمير للجيش والبلد و التشبيه هنا  هو مجرد إستعارة سوداء في غير مكانها ، لأنه وببساطة قبل العراق لم تكن اميركا مهزومة في العراق  وقبل العراق لم تكن روسيا قد استعادت  قوتها وعزيمتها على الحضور كلاعب  دولي حاسم بل اللاعب الدولي الحاسم ، وقبل العراق لم تكن الجيوش في الغرب ولا الشعوب تملك هذه القدرة على المساءلة والتشكيك بروايات الحكام،   والجيوش تتمنع عن دخول الحروب بعيون مفتوحة يحكمها غرور القوة ، و لا كان زمن إنتصارات المقاومة ولا زمن الصواريخ تتهدد إسرائيل ، ولا زمن إيران النووية ولا زمن الضعف والخوف في إسرائيل، و الجوهري اليوم مع سوريا هو كيف يمكن تعزيز الحرب العسكرية لدعم مجموعات المسلحين وهذا ما لم يتغير فيه شيئ ولن يتغير بالكيماوي وبدونه،  التوازنات لحساب الجيش والدولة والوقت الداهم اميركي مع دنو موعد الإنسحاب من افغانستان ، وليس سوريا المستعدة لمواجهة سنوات قادمة وبعد انكسار الحرب السؤال على ضفة المعارضة وسندها السعودي والتركي ما العمل  ؟ وكيف يجري التعامل مع معادلات مختلة التوازن لصالح سوريا ، وجنيف جزء من سيناريو الحل مقابل الكيماوي وتكريس شرعية النظام الجديد  لسوريا بشرعية إنتخابية غير مشروطة ، سيخرج منها الأسد حكما سيد المعادلات الجديدة ، فيصير مستقبل ما بعد التفاوض نزول عن شجرة التصعيد نحو السياسة بينما في العراق كان العكس هو الصحيح ، والسؤال العسكري البسيط إذا كانت روسيا قد منحت لسوريا كل سلاحها الحقيقي الفعال من الأس أس إلى افسكندر والياخونت لتسقط آلة الحرب ألا يحق لها مقايضته بسلاح إفتراضي لديها ؟
- التشبيه بالحالة الليبية نموذج مصغر عن العراق يتجاهل المقارنون به أن أميركا تفادت التورط فيه اصلا و أن التنازل الليبي عن السلاح  جاء في زمن صمود سوريا وفي ذات حقبة ما بعد الرعب العراقي يوم كان الرئيس الأسد يرمي ورقة كولن باول ويبلغ علنا مواصلة المواجهة التي توجتها حرب تموز ، كما يتجاهل التفويض الذي شاركت به روسيا في لحظة شعور بالضعف تلته حالة الإنتقام من التجربة الليبية بالصمود وراء سوريا ومعها
- الحالة الوحيدة التي قد تصلح لمقارنة لكن نسبية هي الحالة الكورية الشمالية التي  تعرضت لحملة شرسة قبل خمسة أعوام وحصار لإضعافها وإسقاطها من بوابة سلاحها النووي وإضطرت تحت الضعغوط للرضوخ لمقايضته بالمف المالي والاقتصادي ولما تراجعت القبضة  الاميركية وتراخت عادت كوريا الشمالية مستقوية بنهضة الصين وروسيا على ايقاع صمود سوريا لبرنامجها النووي الذي لم تفكك قنابله فقط بل مفاعله ايضا ، و عادت تتمكن خلال سنة واحدة من اعادته للذروة وتنصب صواريخا الموجهة الى اميركا ، والبرامج الكيماوية الاقل قيمة والمنتمية الى زمن الحروب المنقرضة في زمن الصواريخ التقليدية الثقيلة وزمن الصواريخ المضادة للصواريخ اسهل بكثير لاعداة التشغيل  من النووي ، فكليهما بالاساس عقول وخبرات وليس موادا وتجهيزات لكن بنسبة اسهل وايسر في الكيماوي من النووي  وما يصح في النووي يصح بالكيماوي اكثر اذا ما صار ضرورة مرة اخرى ومن المتسبعد ان يصير
- الواضح أنه كما نجحت سوريا وروسيا وإيران بإستدراج واشنطن لملعب الضربة المحدودة بوهم عدم تحولها لحرب إستدرحتها لملعب التسوية بالتفاوض  على الكيماوي الذي يشكل اضعف حلقات القوة لدى سوريا مقارنة بما عرضت واشنطن وكانت تحلم بالحصول عليه ، بعدما ثبت لها ان الخيار غير التفاوض هو الحرب وليس الضربة ، ووفقا لمشروعها المقدم للتفاوض وما تضمنه كان سقفها  إمتناع الرئيس الأسد عن الترشح ونزع سلاح الصواريخ و إعادة هيكلة الجيوش والأمن والمخابرات وفك العلاقة بحزب الله ، فكان العرض الروسي أن كل ما هو سوري يبحث في جنيف بدون شروط مسبقة ، وأن التحقيق في استعمال الكيماوي ووضعه تحت الرقابة الدولية جزء من القانون الدولي وروسيا مستعدة للتعاون حوله في اطار مجلس الامن والامم المتحدة
- ربحت روسيا حرب بوتين وربحت سوريا حربها وربحت ايران صمودها وبدا زمن السياسة والنزول عن الشجرة وزمن اللطم السعودي والتركي ينتظر
 

كتب ناصر قنديل

السبت، 12 مارس 2011

الربع ساعة الأخيرة!!

الربع ساعة الأخيرة!..



 

التفسير السياسي والنفسي لكثرة المبادرات وإسهالها، في الربع ساعة الأخيرة، يُوْمِي عن إفلاسٍ في التفكير ،وفي الطرح المتأخِّر ؛ أولاً... و إلا فأين كانت تلك المبادرات ؟ وثانياً؛ يشير، بكل وضوح، إلى قوة ضغط الشارع، وتناميه؛ مما يُكَوِّن دفْعاً قوياً وزَخَماً هائلاً، باتجاه إرتفاع سقف المطالب عند الثوار، ليمنحَهم مِساحةً كبيرةً فوق الطاولة، لتضيق مِساحة المماطلات والمناورات والمبادرات عند الرئيس ليختنق في الدقائق الأخيرة؛ وَزِدْ عَليهِ أَنَّهُ يسمح لهم بقوةٍ بالتنفس، والتحرُّك مرَّةً أخرى بنَفَسٍ جديدٍ وطاقة جديدةٍ، وبتفاقمِ الإحساس عندهم بشرعيتهم، وشرعية ثورتهم، وشرعية المطالب نفسها؛ مما يزيدهم طاقةً فوق طاقة. تلكَ هيَ ثورةُ السَّلام ـ والبحث عن حقيقة الشَّعب وبداية رحلة الحريَّة مِنْ صباحٍ جديد ـ التي تسعى لتحقيق شروطها بنفسها، بهدوء، وعقلٍ، ورويَّة واثقةٍ، متمكنةِ الخطو؛ لتتضحَ معالمُها، التي تتكشَّفُ مع كل يومٍ جديد، وعند كل مبادرة يقوم بها الرئيس في الربع ساعة الأخير. وثالثاً ـ فإنه يَنُمُّ عن خوآءٍ حقيقي في التَّفكير، وبلادةٍ مُفْرِطةٍ في قراءة الحدث، وَعِوَجٍ في تصوُّرات الوضع الحقيقي للثَّورةِ، وخطأٍ فادحٍ يرتكبه الرئيس وهو يُنهي الرُّبع السَّاعة الأخيرة من قراءة الحدث بالمقلوب من عهده الملعون.



ولحظة الإختناق التي يصل إليها الرَّجُلُ القابعُ في صنعاء عَيِي عبدالله فاسد، بحماية مأة ألفِ بندقيةٍ، قد دفعته لارتكابِ جرائمَ حماقاتٍ في قتل النَّاس والشباب المعتصم المسالم، برصاصِ عصاباته، وعِصِي بلاطجته؛ وقد رماهُ شيطانُه بإبداع الغاز السَّام ليرميه بين إبناء شعبه، فيُشلَّهم من قمة الرأسِ إِلْى أخمص القدم. والمناضلون الشرفاء يدركون أَنَّ التغيير تلزمهُ قيمة. وقيمة التغيير هي التضحية بالمال والنَّفس في جادَّة تحقيق غاياتهم، وفي سبيل ابتنآء أهدافهم التي يتوَّخى الثُّوَّارُ الوصول إليها.



والإيمانُ بالتغيير ومُرادات التغيير، وبالثورة وأهداف الثَّورة، يستلزمه شرط القبول بقيمة الوصول؛ و إلَّا نكون كمَنْ يرمي الأشيآء بغبآءٍ يستبيح الأشيآء حقيقتها؛ فتصبح الأشيآء بغير حاجةٍ إلى التبرير، ناهيك حتى عن الحديث عنها. والثُّوَّار هنا في ساحات إعتصامهم في حجِّهمُ الأكبر يُدركون ما هو أمامهم وخلف أَكَمَةِ القصر الجمهوري من النوايا الخبيثة. وكما قالَ عمر المختار.. ( نحن لا نستسلم! ننتصر أَو نموت )!



وما برح الرئيس يَسْلُتْ المبادرة تلوَ الأخرى وهو يعلم تماماً أنْ السَّلْتةَ كانت أحزاب المعارضة واللقاء المشترك قد سَلَتَها قبل أشهر. وحين يرد أولئك عليه أنْ قد تأخرَ بتقديم تلك السَّلْتة، وقد إنفض الجمع تعباً من كذبه وومماطلاته. والمماطلة نصف السرقة شرعاً!.. أَنْتَ لَاْ تدركُ مَنْ تقاتل يا عَيِي ـ ولستَ علي ! إِنَّكَ تقاتل ناساً بُعِثُوا، فانتفضوا مِنْ قبورهم وقد إستمروا فيها هامدينَ ـ على عهدكَ الملعون! أَفَتُرَاْهُم يرجعون إِليها بعد انعتاقهم من أجداثِ سجون عهدك! إِذِن فَأَنتَ لا تدركُ مَنْ تٌقاتل. شَعبٌ وهب نفسَه الحياةَ فلن يعود إلى الموت مرَّةً أُخرى.



وحين يشير المشترك والمعارضة والقبائل والشيوخ بأصابعهم إلى الشباب المعتصم في القرى والمدن اليمنية ، في كل مرة يَنْخُطُ فيها الرئيس، فأنَّ ذلك يشير بجلاء إلى عدد من القضايا. القضية الأولى هي أنَّ الشارع الآن هو الطرف المعني الأول والأخير في الثورة؛ وعلى الرئيس أنْ يتجاوب مع مطالب الثوار والثورة بدايةً إذا كان يريد حقيقة أنْ يثبتُ لنفسه حقاً وللناس قبولاً في البقاء في بلاده وبين أهله مُشرَّفاً وكريماً غير ذليل أو مهان. إِلَّاْ أَنَّ سقفَ مطالب الناس إِرتفعتْ واضحةً سقفها الآنَ بعدما إجترأ هذا القابع خلف الدَّبابة والمدفع على تقتيل شعبه! .. وقد عبَّروا عنها بالبيانات الصادرة عن مجلس قيادة الثورة أو مجلس تنسيق الثورة، كما عبَّروا عنها بالأغاني والشعارات والنكات والكاريكاتورات والمقالات. وعبَّر عنها الصغير والكبير والرجل والمرأة وكل شرائح المجتمع المدني بكل أنماطه وألوان أُفقه الإجتماعي والسياسي والمدني والمهني. ولم يبقَ للرئيس سوى شُذَّاذ الأفاق وحَمَلَة الأبواق وقُطَّاع الأرزاق وسراسرة الدَّجل والنفاق ومافيات الإرتزاق، فأمسى علي يذكرني بـ ( علي بابا والأربعين حرامي )!.. مسكين هذا الرجل الذي هزته إمرأةٌ بألف رجل.



وحين تُحبس الناشطة ( توكل كرمان ) وترمى على بابها التُّهم التي أترفع - وغيري كثيرون - عن حتى الإيماء إليه، فماذا بقي لك من صفة أحرى أنْ يتصف بها رئيس لأربعة وعشرين مليوناً!.. بل ماذا يبقى لدينا عليك من العتاب سوى العقاب! ليتني أستطيع أنْ آتي إليك حتى أُنْزِلُ بك ما تستحق من العقاب أيها الضائع الذي كان كبيراً، فأضحى شيئاً لم نعد نرَ فيه شيئاً!..



فهد القرني يُحبس!؟..

لماذا؟! لأنه عبَّرَ فِيْ يومٍ مأ..عن إحساس مارد في قلوب وصدور الناس!.. لتحبسه! هل أنتَ رئيس دولة أم رئيس عصابة مارقة!.. ثم إذا بك تقتل أبناء شعبك في كل مكان! وبعد.. لا تريد أَنْ يثورَ الناس على فسادك؟ فلقد ملَّ الناس شخصك وعهدك ومماطلاتك ومناوراتك.. وأتصور حتى الزَّواج الذي يستمرُ هذه المدة يصبح مُمِلَّاً ! مللناكَ يا أخي فارحلْ بشرفٍ وكرامةٍ قبلَ أَنْ ترغمنا أَنْ نفعلَ ما لا نحب أَنْ نفعلَ ـ فما زالتْ أخلاقنا اليمانية ليِّنةً، وقلوينا رقيقة ـ فأينَ سهمك منها أَيُّها الرَّجُل!

كم هي رائعة هذه الثورة العربية التي كشفت عن عوراتكم في القوادة لا القيادة.. والتي عرَّفتِ الشعوب كم تكرهونهم كرهاً بلا هوادة يا شُذَّاذ الآفاق.. وتلك إحدى حسناتها!



وبعد!..

لستُ أدري ما أصنَّفُ مِن سوءآتك وسيئاتك وآثامك في حق هذا الشعب الطيب الصابر الصبر الجميل، وعبثك بأرواح الناس وقتلهم بغير ذنبٍ يُسأل عليه! إنَّ حجم قبحك عند قتل الناس، وشناعة سيئآتك في ظهورك لتتحدث كأنْ لم ترتكب قتلاً، ووقاحة حديثك في كذبك ومماطلاتك وسوءآتك، ودناءة أفعالك وبذاءة أقوالك.. فاقت كل طاقة لشيطان رجيم وإبليس لعين.. وبكتْ جهنمُ .. لم تعد تسهم في عقابك غير ألف نار لألف جهنم.!..



إنَّ الحديث عنك مُتْعةٌ عجيبة، تجعلني أنقب عن ألفاظ في قواميس اللغة بديعة في إبداعات اللفظ القاطع والحرف اللاذع التي - ربما - تقدر أو تستطيع أنْ تحتويك، ولكنها - هذه الألفاظ - أراها تتقاتل بينها وتتحارب لتبتعد عنك خوفاً من نفسك التي سحقت بذاءات كل لفظ وحرف وأعجز ألف حُطَيْئة!..





وبعد..

أتسمع من في الشارع أيها الأصم!..

أشك أنك لا تسمع.

فهل آنَ لك أنْ تفهم أنك لا تفهم! وهل آنَ لك أنْ تعرف أنك طقطقات وذبذبات عقارب الساعة في ربعها الأخير. أنَّ الثورة لا تتأخَّر إذ خرج الناس لإسقاط لا نظام فسادك، فلا تتأخر أنتْ في المبادرة الحقيقية التي تأذن بها تلك الربع الساعة الأخيرة!

إنَّ ما سيجعل الناس تحترم تلك الربع الساعة هو أنْ تنزعَ مِمَّنْ لا يُستَحقُّ أنْ يعطَ من بنيك وأخوانك وأقاربك وأُسْرتك وأهل قريتك من مراكزهم في مفاصل الجيش الذي تتقوَّى به وتهدد العباد والبلاد به؛ فأمسى جيشك وليس جيش الشعب!.. إفعل ذلك إذنْ حتى يصدِّقَكُ الناس أنْ لو حسنتْ نواياك.

ثم بعد ذلك أنْ تتنحى كريماً شريفاً غير ذليل.

وأترك الباقي للثورة والثوار.



وبعد..

يقولون أنَّ الثورة قد تتأخر، ولكنها ألبتةَ لا تخمد جذوتُها، حال أذِنَ لها التاريخ، وقادها الجوع والبطالة والفقر والفاقة، وتحولتِ الشوارع إلى ساحات مقدسة بدم شهيد أو أنَّةِ جريح. والدم المسفوح في معركة الناس مع الليل يمسح على وجوه طلوع الفجر وردةً وطاقة وثورة فوق ثورة...



تَرَكْتَ وِلْدَاْنَنَاْ تَدْمِيْ نُحُوْرُهُمُ *** وَجِئتَ مُخْتَطِبَاً يَاْ ضَرْطَةَ الْجَمَلِ !



فماذا فعلتَ بالإنسان فيك!..لا أدري أي قلبٍ يمكن أنْ يحمل هذا الكره والحقد لناسه وأهله وصل بروحك مرداة الهَلَكَةِ ومهاوي الإنتحار!.. إنه الكره والحقد الذي يحرق الغمام والمطر والفجر والزهر والعطر الندي. فماذا بقي وماذا تركتَ!..

لا شيء أبداً!..

وإذا بقي لدينا شيء فهو كتابة قصيدة مرثاة في الربع ساعة الأخيرة من عهد ملعون لقبر قد يلقاك مشانقاً ومجالداً وقصاصا. ولن يعتبَ أحدٌ معذبيك. ولن يتعب معذبوك !..



أما بعد...

ماذا قدمت للإنسان ؟..

لا تقل منجزاتي.

أنا لا أتحدث عن الحجارة والبناء والقصور والطرقات والجسور والأنفاق وغيرها. فتلك قاعدة تحتية تخدم الإنسان.

أتحدث عن الإنسان. هل تسمعني!؟ الإنسان الذي يبني هذه الأشياء التي تسميها منجزات. لن ألومك فلقد قتلتَ الإنسان يوم تربعت الكرسي الذي تجلس عليه في آخر ربع ساعة.

الإنسان.. المدرسة في كل القرى والمدن؛

الإنسان.. اللقمة الطيبة؛

الإنسان... الكريم الطيب النقي؛

الإنسان.. المستشفى، والدوآء؛

الإنسان... التعليم، والثقافة، والمسرح، والفن؛

الإنسان.. الماء النقي؛

الإنسان.. النور في كل قرية؛

الإنسان الذي يبحث عن قصيدة يكتبها، أو إبداع ينتجه، أو قطعة فنية ينحتها لا لقمة يبحث عنها من أول صُلْحِه مع الصباح إلى آخر فوات يومه.

الإنسان.. الجيش الذي يزرع شجرة لا يقتل نفساً؛ ويهدي وردة لا رصاصةً.

الإنسان.. الذي يقف الإنسان فيه شريفاً كريماً عزيزاً يحضن نفسه، وجاره، وحارته، ومدينته، وقريته، ووطنه من أطرافه.

لقد أفسدتَ الحياة كلها، وسممتَ سماءها، ولوثتَ هواءها، وعثت بقداستها، وقسمتَ بنيها، وفرقت ناسها، وغرَّبت شعبها، بداخلها وفي أصقاع الأرض.

فماذا سنخسر من بعدك !؟ لا شيء. ولن تأتي الدنيا بمن هو أو ما هو أسوء منك!..

وحين كان عبدالناصر يبني مشروع السد العالي في مصر؛ إنتفض العالم مُعاذِراً عبدالناصر أنَّ معبد أبي سمبل سيغرق عند أنشاء بحيرة ناصر. وقيل لعبدالناصر آنئذٍ أنَّ ذلك المعبد مَعْلم حضاري يجب المحافظة عليه. إبتسم عبدالناصر كعادته في موقف كهذا وقال: " طاب والشعب اللي بنى المعبد مش لازم يعيش وهو اللي بنى المعبد "!..

فماذا فعلتَ للإنسان!

وماذا بعد ؟!..

نعم.. الكلام عنك يطول، ولا ينتهي، وأجدُ المتعة كلها في الحديث عنك. لا بأسَ إِذنْ .. فدعني أكتبُ ما أريد!.. فكيفَ يفعلُ الزعمآءُ لبني وطنهم؟ تابع معي إِنْ تفهم !



حِيْنَ يَرتبطُ قِصَّةُ حياة رئيسُ أَيِّ بلدٍ بِقِصَّةِ بلده، فثِقْ جَيِّداً أَنْ التَّاريخَ كَاْنَ هناك فِيْ زيارةٍ مفاجئة لذلكَ البلدِ، وذلكَ الرئيسِ، وتِلكَ الأرضِ، وذلِكَ الشَّعْبِ. والتَّاريخُ ما كذبَ أَوْ عفى، وإِنْ نَاْمَ أَوْ غفىْ.



وإذا إرتبطَتْ قصةُ حياة أَيِّ رئيسٍ بِقصةِ بلادهِ في زَمَنٍ ما، فَإِنَّ ذلك يعني أَنْ الرَّجُلَ أَصبحَ قضيَّةً وطنيَّةً لِلناسِ، والأرضِ، وسوف يكون يوماً ما، جزءاً يعتزُّ بهِ النَّاسُ مِنْ ثُراثِهِ، وفلكلوره،ِ وأحاسيس التَّاريخ الْجيَّاشَة التَّي تبعثُ في النُّفوسِ قضيَّةً ودروساً لنْ تُنسَ.

التَّاريخُ على دوراتهِ يستذكرُ صُنَّاعَهُ، ويَتَقَيَؤ ضُيَّاْعَهُ. هكذا تروي لنا أحداثُ النَّاسِ، وأيامُ التَّاريخِ، وتحكي لنا قصصُ الأَرضِ في كلِّ مكانٍ وعصْرٍ. فَأَنْ يُصْبِحَ الرَّجُلُ قَضِيَّةً يحملها النَّاسُ في الأجفانِ فيطبقوها عليها، وتاجاً تلبسه الأيامُ، وعُشباً يكسي الأرضَ عنفواناً أخضراً وسُندساً بهياً؛ فِإِنَّ ذلك معناهُ أَنَّ الوطنَ، والنَّاسَ، والأرضَ، كانوا بالنسبةِ للرئيسِ قضية لهُ ـ قبلَ أَنْ يكونَ هوَ نفسهُ قضيَّة لهم . وهنا يأتي ناموسُ اللهِ الحاسمُ مؤَكداً تلكَ الحقيقةِ .. "مَاْ جَزَآءُ الإِحْسَاْنِ إِلَّاْ الْإِحْسَاْن". وَإِلَّاْ فَلِمَاْذَا يستذكرُ النَّاسُ إِبراهيمَ الحمدي، ويحسنونَ لذكراه؛ ليَحسُّوا بهِ في أوقاتنا هذهِ العصيبةِ والعصيَّةِ والشقيَّةِ. كُلَّما ذُكِرَ إِبْراهيم وَقَفْ الجميع والتَّاريخ مَعاً. ولهذا يقفُ التَّاريخُ لِغاندي، ومانديلا، وكثيرين غيرهم مِمَّن حملوا أُمَّتَهم بينَ أجفانهم، فأَطبقَ النَّاسُ، والتَّاريخُ، أجفانهم عليهم في حياتهم التي تدوم بعد رحيلهم عنَّا جسداً لا قَضيَّةً.



وينتقلُ التَّاريخُ بهم مِنْ طَورِ الْقَضْيَّةِ إلى طوْرِ الأسطورة؛ حينَ يرى الأقزامَ يجوبونَ شوارعه. غاندي أصبح أسطورة هندية وعالمية، يتغنَّى بها الإنسانُ العادي، كما يتغنَّى بها العالمُ والسياسي البارعُ. مانديلا دخل أُفُقَ التَّاريخِ كَأُسطورة. وعمَّا قليل سيدخلُ التَّاريخَ ـ أُسطورتان. بائِعُ البطِّيخ، وماسِحُ الأحذيةِ.



أُردُغان ـ بائعُ البطِّيخِ في طفولتهِ ـ أَصبحَ قضَّيَّة ، ليسَ في تركيا الغالية بل في العالمِ كلِّهِ. وبلادهُ أصبحتْ قضيَّةٌ ينظر لها العالمُ والتَّاريخُ بوقارٍ. الرَّجُلُ الذي غادر قاعةِ دافوس أعتراضاً على عدمِ الإنصافِ !

وَ لُولا ـ ماسحُ الأحذيةِ ـ أَصبح قضيَّة. ليسَ في البرازيل فحسب، بل في العالم كُلَّهِ، وربما في التَّاريخِ الحديث. وقفَ لهُ العالمُ بِإجلالٍ، ووقارٍ، وتبجيلٍ؛ بلا نظائرَ.



لولا دي سيلفيا ـ الرَّئيسُ البرازيلي ـ أَخرجَ بلاده إِلى مصافِ الدول الدَّائنة للبنكِ الدَّولي 14 مليار دولار، بعد أَنْ سددَ كُلَّ الدِّيون التي كانتْ على بلادهِ، وأخرجَ ما تعدادهُ ثلاثين مليوناً مِنْ أبنآءِ شعبهِ مِنْ خطِّ الفقر!

فماذا فعلتَ أَنْتَ لثلاثة وثلاثين عاماً! سَلْ نفسكْ . أَوْ أَقُولُ لَك لَاْ لَاْ تسلْ .. فما بقي مِن الوقتِ شيئاً! فماذا ستفعل في 15 دقيقة.. إِذا كنتَ لم تفعل شيئاً في 17,344,800 دقيقةـ ثلاث وثلاثين عاماً! عفواً .. فلقد تعدَّيْتَ آخر خطٍ أحمر قتلتَ شعبكَ، فلم يعدْ سقف المطالب ( الشَّعب يريد اللانظام )، بل زِيْدَ عليه ( والشَّعب يريد محاكمة الرئيس وأذياله وزبانيته وجلاوزته ) !

وَاكْتبْ على قبرك أَنك عشتَ خمس عشرة دقيقة !



أَمَّاْ بَعْد

فَهَذِهِ أغنية الرَّحِيْل!

" لَاْ لَنْ أَتَنَحَّ "

" لَاْ لَنْ أَرْحَلْ!"

مَاْذَاْ سَمِعْتُ ؟

أَنْتَ عَمِيٌّ.. خَرِفٌ ( أَهْبَلْ )!

هَذَاْ الشَّاْرِعُ يَهْتِفُ ( إِرْحَلْ ).

إِنَّ الظَّالْمَ عَدْلَاً يُسْحَلْ !

أَوَلَمْ تَقْرَأ لُغَةَ الدُّنْيَاْ.. كُلُّ الدُّنْيَاْ صَرَخَتْ ( إِرْحَلْ )!

خَلَعَ النَّاْسُ الزَّمَنَ الْأَرْذَلْ !

" لَاْ لَنْ أَرْحَلْ " .. تَبْدُوْ قَزَمَاً، تَبْدُوْ أَجْهَلْ .

مَزِّقْ..

دَمِّرْ ..

مُرْ بِجُنُوْدكَ فَوْقَ صًدًوْرٍ رَفَضَتْ إِلَّاْ أَنَّكَ تَرْحَلْ !

قَبْلُكَ فَعَلُواْ مَاْ قَدْ تَفْعَلْ

هَذَاْ شَبَاْبٌ الأُمَّةِ يَسْعَىْ.. يَكْتُبُ فَجْرَ شُمُوْسٍ تُذْهِلْ!

ثَوْرَةُ شَعْبٍ جَعَلُواْ الْفَجْرَ الْقَاْدِمَ مَنْهَلْ

عَشِقُواْ الْمَوْتَ نَدِيَّاً أَخْضَلْ!

شَرِبُواْ رَصَاْصَكَ مَاءَاً أَخْطَلْ!

هَنِئُواْ الْوَطَنَ الْغَاْلِيَ دُنْيَاْ تَرْحَلُ فَوْقَ شِفَاْهٍ مَعْسَلْ

تَرِبَتْ يَدُهُمْ إِذْ أَطْلَقْتَ الْغَدْرِ لَصَدْرٍ أَعْزَلْ !

هُمْ قَدْ فَطِنُواْ أَنَّكَ وَغْدٌ

فِيْكَ خَلَاْقُ الْوَغْدِ وَأَرْذَلْ.

رَقْصُكَ أَفْعَىْ. حَرْفُكَ كِذْبٌ..

تَخْرُجُ

تَخْطُبُ عَقْرَبَ فِيْنَاْ تَبْدُو كَأَنَّكَ سُمٌّ يَقْتُلْ !

حَرْبُكَ ضِدَّ الشَّعْبِ سَتَفْشَلْ !

حَظُّ بَقَآئِكَ بِيْنَنَاْ يَنْحَلْ !

فَضْلُ الثَّوْرَةِ فِيْ سَاْحَاْتِ الْقَصْرِ سَيَأْتِيْ حَشَّةُ مِنْجِلْ!

فَوْقَ فَسَاْدِ الرَّأْسِ الْأَجْهَلْ.

خَفْقُ فُؤَآدِكَ كُلُّهُ كُرْهٌ..

نَبْضُ دِمَآئِكَ حِقْدٌ فِيْهِ يُطْفئُ مُزْنَاً ..

مَطَرَاً يَهْطُلْ!

بَطَلٌ أَنْتَ .. شَهَمٌ أَنْتَ ..هَيَّاْ تَقَدَّمَ

شَعْبَكَ فَاقْتُلْ !

إِمَّاْ نَمُوْتُ أَوْ نَنْتَصِرُ أَوْ أَنْ تَرْحَلْ !

أَضْحَكُ دَوْمَاً حِيْنَ أَرَآكَ تُبَاْدِرُ خُطَبَاً

يَرْجِفُ فِيْ شَفَتِيْكَ الْكِذْبُ وَأَدْجَلْ !

لَاْ لَنْ تَحْكُمَ شَعْبَاً أَفْتَىْ أَنَّكَ تَرْحَلُ أَوْ سَتُرَحَّلْ !





خَوَاْطِر بِقَلم..

عَبْدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان

مهندس معماري واستشاري

حزب البسباس (حِلْف الفضُول )

فرجينيا ـ الولايات المتحدة الأمريكية .